إخوان المنطقة إلى أين؟

يثير التفاهم الإخواني ـ الأمريكي في المنطقة حيرة الكثير من المراقبين الذين مازالوا يرون في الأمر شذوذاً ما، خاصة أنّ أحداث 11 سبتمبر، التي دشنت حربين أمريكيتين، لم تزل أحداثها ترن في الذاكرة. تلك الأحداث التي كانت سببا في عودة الحروب إلى المسرح العالمي، بعد توقف دام لعقود، لتغرق واشنطن في المستنقعين الأفغاني والعراقي، مما يذكّر بمستنقعها الفيتنامي…



إخوان المنطقة إلى أين؟

 

يثير التفاهم الإخواني ـ الأمريكي في المنطقة حيرة الكثير من المراقبين الذين مازالوا يرون في الأمر شذوذاً ما، خاصة أنّ أحداث  11 سبتمبر، التي دشنت حربين أمريكيتين، لم تزل أحداثها ترن في الذاكرة. تلك الأحداث التي كانت سببا في عودة الحروب إلى المسرح العالمي، بعد توقف دام لعقود، لتغرق واشنطن في المستنقعين الأفغاني والعراقي، مما يذكّر بمستنقعها الفيتنامي .

هذا التواؤم المفاجئ بين الإخوان والأمريكيين يدفع إلى الحيرة والاستغراب، ويشي بأن خلف الأكمة ما خلفها، خاصة حين يصرح المسؤول الذي عينه الرئيس الأميركي (باراك أوباما) لشؤون انتقال السلطة في الشرق الأوسط (وليام تايلور) أنّ واشنطن ستكون "راضية" إذا أسفرت انتخابات برلمانية نزيهة في مصر عن فوز الإخوان المسلمين .

وحين يلي ذلك، ترحيب وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) بفوز النهضة التونسية، يدل على أن الأمر ليس مجرد تكتيك، بل يبدو أنه إستراتيجية طويلة الأمد، خاصة أنها صرحت في يونيو بأن واشنطن أجرت "اتصالات محدودة" مع جماعة الإخوان المسلمين في إطار مسعاها للتكيف مع التغيرات السياسية التي تحصل في مصر .

ما سبق، يجعل التفكير والبحث في خلفيات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة مشروعا، خاصة أن الغرب بكامله يسير في اتجاه تعويم النموذج الإخواني على طريقة حزب العدالة والتنمية، ولعل الضغوط التركية ـ القطرية التي تعتبر واجهة التدخل الأمريكي في سوريا، وطلبها المتكرر إشراك الأخوان في السلطة، يسير في هذا الاتجاه، مضافاً له طلب الحكومة الأردنية من الإخوان المشاركة في الحكومة !

من يدقق في سياسة واشنطن خلال عقدين على الأقل، سيرى أنّ الإستراتيجية الأمريكية قامت على مكافحة الإسلاميين ومنع وصولهم الحكم، بل ساهمت في تثبيت عرش الطغاة الذين أبدوا قدرا هائلا من المرونة في محاربة النفوذ الإسلامي

في بلدانهم و(القاعدة) بخاصة، إلى درجة أن أنظمة الحكم المستبدة باتت هي من يربي الإسلاميين كي يفاوض عليهم أو يهدد بهم وقت تحين ساعة استخدامهم، وما ردود السلطات العربية تجاه ثوراتها إلا دليل على ذلك، حيث تهدد هذه السلطات علانيةً بأن رحيلها يعني توسع نفوذ القاعدة والتنظيمات الإرهابية .

وقد ظلت هذه الإستراتيجية الأمريكية هي السائدة، حتى غرقت أمريكا في أزمتها الاقتصادية بعد انهيار (ليمان براذر)، وترافق هذا الأمر مع ظهور إنجازات حزب العدالة والتنمية التركي التي حققت نمواً اقتصاديا هائلا، مترافقا مع استقرار سياسي داخلي، وترتيب الإقليم وفق النموذج الأمريكي .

هذا التواقت، جعل الأمريكيين يفكرون في كيفية دمج الإسلاميين في بلدانهم بدل تحولهم إلى "قنابل موقوتة" في الغرب، أو عبئا على الاقتصاد الغربي، الذي بات يتدهور يوما بعد يوم، مهدداً مستوى الرفاه الذي بات يثير غيظ المواطنين الغربيين، وهو ما ساهم في حدوث عدة تحولات على مستوى الوعي الأوربي، الذي بات يفرز أحزابا عنصرية تعلن عداءها المباشر والصريح للمسلمين في بلدان طالما عرفت بانفتاحها واستقبالها الغرباء. ولعل أزمة الرسوم الكاريكاتورية التي تطل بين فينة وأخرى، ما هي سوى التجسيد الفعلي لذلك "الشرخ الأسطوري" الذي لا يني يزداد بين الشرق والغرب، وفق لغة المفكر (جورج قرم).

ولعل ما قاله (أمين بوزكورت)، الدانماركي الذي يتزعم لوبي مناهضة للعنصرية بالبرلمان الأوروبي يدل على ما يعتمل في جوف المجتمعات الغربية بهذا الخصوص، حيث قال: "نحن على مفترق طرق في التاريخ الأوروبي. فخلال خمسة سنوات إما سنشهد زيادة في قوى الكراهية والانقسام في المجتمع، بما في ذلك القومية المتطرفة وكراهية الأجانب ومعاداة السامية وكراهية الإسلام، أو أننا سنتمكن من محاربة هذه النزعة المروعة".

من هنا، قامت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة على احتواء الإخوان المسلمين، بقيادة "النموذج التركي" الذي سيلعب دور المؤهل للأحزاب الإخوانية في المنطقة، ولعل كلام (أردوغان) في القاهرة يأتي ضمن هذا السياق .

ولكن التنافر الذي برز بين إخوان القاهرة وإخوانية (أردوغان)، يطرح سؤالاً كبيراً، عن مدى قدرة الإخوان في البلدان الناشئة على تمثّل وهضم تجربة حزب العدالة والتنمية، وهل الواقع يسمح بذلك، أصلا؟
وحدها التجربة التونسية، تشير إلى بوادر نجاح وتماهي بشكل ما مع التجربة التركية بسبب تشابه المقدمات في كلا البلدين، الذين حُكما سابقاً بعلمانية مفروضة من فوق، اجتاحت كل شيء، بما في ذلك البنيان الاجتماعي لهذه للبلدين، الأمر الذي يجعل أيّ حزب إسلامي في هذين البلدين غير قادر على أسلمة المجتمع أو الدولة، مهما فعل، لأن المجتمع بذاته تغيّر صوب حداثة لم يعد بالإمكان التراجع عنها .

من هنا، يبدو الدعم الأمريكي والغربي لإخوان المنطقة، محفوفا بمخاطر جمة، قد تهدد كل شيء، إلا إذا دخل الإخوان في لعبة السلطة والبراغماتية وهم يجيدونها تماماً، متماهين مع النموذج الأمريكي، ليحتفظوا بالسلطة فقط، وحينها يكون الربيع العربي، مجرد ربيع إسلامي، على غرار ربيع (الخميني)، أو ربيع (حماس) الغزاوي، ولكن بشكل مقلوب !

ثمة من يقول، أنّ الإستراتيجية الغربية تقوم على فكرة مفادها، أنّ الحكم هو معيار فشل الإسلاميين، الذين أثبتوا أنهم حكام سيئون، كما في السودان وغزة، وهكذا يكون إيصالهم السلطة، من باب تثبيت فشلهم، تمهيداً لوصول العلمانيين المدنيين الذين يعانون أساساً من ضعف وتبعثر، وغياب أي قاعدة اجتماعية لهم، مما يجعلهم غير قادرين على الوصول إلى السلطة أساساً .

وهكذا، إن نجح الإسلاميون على غرار حزب العدالة والتنمية يصب الأمر في صالح الأمريكيين واستقرار المنطقة، دون تهديد المصالح الأمريكية، وإن فشلوا يكون الأمر مقدمة لإقصائهم النهائي .

ولكن ثمة سؤال جذري يطرح بقوة: هل يترك الإخوان السلطة بعد وصولهم إليها، خاصة أن مشروعهم الاجتماعي يقوم على أسلمة البنى التحتية للسلطة، وتغييب وعيها، لتصبح حاكمة باسم الله؟ !

 

بقلم محمد ديبو

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.